مذكرة ماجستير في الانتربولجيا الاجتماعية والثقافيةحول النزلة وتقرت
بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية
.جامعة منتوري محمود قسنطينة 2003
في اطار البحث التاريخي حول تاريخ منطقة وادي ريغ استطاع الباحث الاستاذ عبد القادر خليفة(حاليا استاذ مساعد بجامعة ورقلة) ان يضف اسمه الى قائمة مؤرخي وادي ريغ من خلال عمله الاكاديمي الذي ناقشه سنة 2003 بجامع قسنطينة، والذي كان بالتنسيق مع فرقة بحث فرنسية مختصة في الانتربولوجيا بولاية وهران.ولاهمية الموضوع اخترنا ملخصا عاما قصد الاستفادة منه.
هذا البحث (في طار طبعه مستقبلا) جاء كتجربة عمل ميداني في عالم المجال، العالم الحي والعامر بالدلالات الإنسانية، قمنا بمعلمة مساره بمشاركة المبحوثين أنفسهم، لنتمكن من تحقيقه كمعرفة لعالم تملك المجال الإقاماتي في حي من أحياء مدينة تقرت، مدينة في طور التحول في الجنوب الجزائري، كمحاولة لفهم مدينية صحراوية جديدة في طور التشكل والإنجاز على المستوى العمراني ببعده الاجتماعي، الذي يصبح الإنسان فاعله الأساسي، مطبوع بتلاقي أثر عدة فاعلين، من خلال ممارساتهم في المجال وتجاه المجال، إن قراءة التمثلات والتعابير السكنية والهوياتية التي تجعل من المجال وسيلة التعبير عن حدودها وهويتها الاجتماعية الجديدة في ظرف متجدد هي طريقة الفهم العميق لمدن الصحراء اليوم.
الخطاب وبكل أشكاله، كواقع أنثروبولوجي والذي يسمح بالتواصل مع الفاعلين، إذ أن الخطاب الإقاماتي ما هو إلا خطاب هوياتي.
من خلال التحقيق النوعي أوصلنا البحث إلى مناطق الظل في العلاقة بين الإنسان في هذه البيئة الصحراوية الجافة والقاسية، ومجاله المتغير دوما بتغير سياسات المنطق الغالب المفروض في أغلب الأحيان. أوصلنا أيضا إلى حقائق منطق التصورات الجماعية، والإستراتيجيات الاجتماعية والأسرية التي هي في الواقع تركيبة من أشكال الروابط القراباتية التقليدية والاقتصادية الجديدة في ظل الاندماج في المجتمع الوطني العام.
في حدود ميدان دراستنا، حي النزلة – تقرت – ، بلدية حسب التقطيع الإداري لسنة 1984، يتعلق الأمر بتعايش مجموعات اجتماعية مختلفة لفئتين، من السكان أساسا، سكان الواحات القدامى مزارعي النخيل وبناة القصور المسمون " الحشاشنة " و مجموعات من البدو المتمدنين( سعيد أولاد عمر، فتايت، سوافة، طيبات، أولاد نايل….) الذين بدأ تثبيتهم منذ عشرينيات القرن الماضي ولم ينتهي حتى اليوم.
لم تعد الواحة اليوم كما كانت في ماض قريب ! ، ينظر إليها كتلك الصورة الفلكلوراتية (folklorisante ) التي يتصورها السواح أو عشاق الصحراء! كعالم من السحر والسخاء وسذاجة أهلها وكرمهم، إن حقيقتها الاجتماعية والعمرانية اليوم تؤدي بنا إلى الوقوف على ساحة من التحولات العميقة وإعادة التشكل.
إن انهيار علم البدو ووصول أعداد لا تنتهي من " آخر البدو" " غرقى الصحراء "(naufragées du Sahara )، وبعد ضياع عالم البدو منذ أن بدأت شاحنات الفرنسيين بتعويض الجمل في شق الصحراء، أحال مجتمعات بأكملها على البطالة و التسكع في مدن الواحات، كباحثين عن العمل والمأوى، وضعية كانت السبب في ضياع ثقافة بأكملها ومعارف بالصحراء، هذه المجموعات التي استوطنت المدن، بين اختيار العزلة أو التمدن.
الحشاشنة سكان واحات وادي ريغ ، هؤلاء السود الذين كانوا خماسة لفترة طويلة في تاريخ المنطقة. الاستقلال، الثورة الزراعية، شركات النفط…، هذه التحولات الجديدة فتحت أمام أبنائهم آفاقا جديدة، التمدرس والعمل في الشركات البترولية و الخدمة الوطنية وحتى التلفزة…، وسائل جعلت أبناء هذه المجموعة ينسون ماضي آبائهم والترقي الاجتماعي والاقتصادي، في مدة وجيزة سهلت عليهم ذلك تقاليد حضرية تقليدية في هذا المجتمع والتي لاحظناها من خلال تقاليد الزواج المنفتح على مجموعات أخرى ومدن أخرى وأشكال هندسة منازلهم التي يبنونها الآن.
هياكل اجتماعية وأسرية جديدة، تسجل مجال جديد في مدن الصحراء، تشكلت من هذه المجموعات الاجتماعية، أشكال من التعايش في الأحياء وفي المجال السكني دلالاتها هي إعادة تشكيل هيكلة اجتماعية وأسرية جديدة، استجابة لتحولات جديدة شهدها المجال العمراني الإقاماتي والسكني، الحي الهوياتي لتمييز مجموعة اجتماعية تبرز هويتها أو ثرائها، المنزل الفردي الكبير القابل للتوسع عموديا لإيواء الأسرة المركبة في مكان الأسرة الممتدة التقليدية، هذا بالرغم من الوجود المظهري للأسرة النووية التي أحدثها نظام الأجور الفردي والشقق ذات الغرفتين، الأسر الجديدة تهيئ مجالها المنزلي على صورتها اليوم.
هذه التجربة الميدانية التي حكمنا عليها نحن في البداية قبل غيرنا كونها " أنثروبولوجيا استعجالية " حاولنا من خلالها وقبل كل شيء تقديم الدليل على نجاعة إشكالية عمرانية في الصحراء هي من واقع إشكاليات التنمية في الصحراء، لفهمها لابد من توظيف وسائل معرفية متعددة في إطار تعدد التخصصات، ينفتح موضوعنا على أفق واسع هو وضع معالم حقل بحثي جديد يتوغل في حاضر الصحراء اليوم.