خطة الجزائر في الاستثمار الفلاحي كبديل عن النفط
يستيقظ عمي أحمد باكرا كعادته كل يوم، يرتدي ثياب العمل ويبدأ في رحلة إقناع حماره المُرهق من شتى أنواع العمل والمهام العديدة التي يُستعمَل لها. إنه متوجه إلى الحقل، هذا الحقل الذي يتعهّد غرسه لأزيد من 20 سنة، حيث ورث نخيله عن والده رفقة إخوته في سنوات التسعينات، وحين سألناه عن العمل بهذا الحقل أجاب قائلا: "هذا مصدر رزقي الوحيد، أبدأ العمل صباحا لأعود إلى البيت مساء وحين أكون في حقلي، لا أفكر في شيء سوى عملي وما سأجنيه في نهاية الموسم".
إن هذه الحياة الروتينية التي يعيشها عمي أحمد، هي نموذج حي للحياة التي يعيشها معظم الفلاحين في الجنوب الجزائري، إذ تعتبر الفلاحة مصدر العيش الأول وبدونها ليس للحياة طعم حسب هؤلاء. إلا أن ما يقلقهم هو التهميش الذي يعيشونه من طرف من لهم مسؤولية دعم الجانب الفلاحي بشتى الوسائل التي تسهم في ازدهاره، فالبداية بالأراضي الفلاحية التي توزع حسب أهواء المكلفين بتوزيعها، أو اعتمادا على المحسوبية أو ما يُصطلح عليه باللهجة الجزائرية "المعريفة"، فحسب أحد الفلاحين والذين أودعوا ملف الاستفادة من قطع الأراضي الفلاحية فإنه يتوجب عليهم الانتظار أكثر من عشر سنوات، وعذر المصالح الفلاحية في هذا هو "دراسة الملفات". فيما عبّر فلاح آخر عنا معاناة أغلب المزارعين من ندرة المياه المخصصة للسقي، والتي يتطلب حفر آبارها موافقة الشركة الجزائرية للمياه، إلا أن المشكل يكمن في المبالغ الباهضة التي تفرضها على المستفيدين من هذه الآبار، سواء في حفر البئر أو الضرائب، ففي ولاية ورقلة مثلا تصل تكلفة حفر بئر واحدة إلى أكثر من 200000 دج (عشرون مليون سنتيم)، ويضيف الفلاحون : "ولا تمنحك المصالح لا العتاد ولا العمال الذين يحفرون البئر".
إن هذه المشاكل وغيرها – يقول عمي أحمد – هي سبب الشقاء الذي نحن فيه، ولولا حب العمل وصعوبة الحياة لعزف كل فلاح عن خدمة الأرض التي تركها الأجداد أمانة في رقاب الرجال. يأتي هذا التذمر من هؤلاء الفلاحين في وقت استفاقت فيه الدولة الجزائرية لتولي اهتماماتها على جانب الفلاحة في ظل انخفاض أسعار البترول منذ 03 سنوات، ويقول المختصون أن هذا الالتفاتة المفاجئة لقطاع الفلاحة دون سواه من القطاعات ما هو إلا دليل على أهميته البالغة بعد ميدان المحروقات كمصدر أول للدخل في الدولة الجزائرية.
لقد خصصت الحكومة الجزائرية وفي إطار البرنامج الخماسي للرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" برنامجا ثريا للاهتمام بالفلاحة، ففي تصريح لوزير الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري "سيد احمد فروخي" أفاد أن برنامج الخماسي الحالي ينص على توسيع المساحة المسقية من مليون إلى مليوني هكتار حتى يمكن من تأمين الغذاء و ضمان الإنتاج. و أكد وزير الفلاحة أنه تم التنسيق مع وزارة الموارد المائية بخصوص الأراضي المسقية سواء التي تم استصلاحها في المناطق الصحراوية و السهبية أو تهيئة مساحات مسقية في الشمال.
أما بخصوص تصدير بعض المنتجات كالتمور و الزيتون فقد نوّه وزير الفلاحة إلى وجوب جودة المنتوج وتوفر النوعية نتيجة وجود منافسة عالمية في هذا المجال، مذكرا بالعلامات الجزائرية المسجلة التي شرع فيها كالتين الجاف بمنطقة "بني معوش" ببجاية و سلالة أولاد جلال للكباش و التمر من نوعية دقلة نور بولاية بسكرة و علامة الزيتون "سيقواز" بولاية معسكر من أجل حماية المنتوج الوطني .
و أوضح وزير الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري سيد احمد فروخي أن الهدف من زيارته إلى بسكرة هو تشجيع مبادرة الفلاحين و المتعاملين و مرافقتهم في تصدير التمور إلى جميع الأسواق العالمية مع توفير كل الشروط الملائمة، مُشيرا إلى التسهيلات بالنسبة للفلاحين كاستلامهم عقود الامتياز و منحهم القروض.
إن السؤال الذي يطرحه الفلاح عمي أحمد وغيره من فلاحي الجزائر هو كيف يمكن لفلاح تائه بين كثبان الصحراء أن يستفيد من هذه الامتيازات في ظل النسيان الذي يعبر عنه الفلاحون بقولهم "إنه مهنة المسؤولين في الجزائر"، ففي كل مرة تكثر الوعود ولكن الحقيقة على أرض الواقع غائبة حسب الفلاحين الذين يضيفون: "نريد تجسيدا للوعود لكي نرفع من الإنتاج، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكننا أن ننهض بالفلاحة في الجزائر ما لم تضع الدولة يدها في أيدينا بقوة وبكل جدية".
تجذر الإشارة إلى أن الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال قد قام بزيارة إلى ولاية وادي سوف (430 كلم جنوب العاصمة الجزائرية) في الفاتح من شهر أفريل 2017، والتي تُعرف بإنتاج البطاطا كنشاط حثيث للفلاحين في هذه الولاية، ودعا الوزير الأول خلال زيارته لهذه الولاية أصحاب المؤسسات الاستثمارية الفلاحية إلى رسم استراتيجية لإنعاش التصدير باعتباره بديلا ناجعا عن المحروقات، مبرزا أن النظرة الجديدة للاقتصاد الجزائري تعتمد على هذه الآلية بالدرجة الأولى، وجاءت هذه التعليمات أثناء تفقده لمستثمرة فلاحية تقع بالمنطقة الفلاحية "الضاوية" ببلدية سيدي عون ( 15 كلم عن مقر الولاية ) التي تتربع على مساحة قوامها 45 هكتار، منها 25 هكتار مسقية بواسطة 15 بئرا يعتمد فيها على نظام السقي بالتقطير وتغرس بها عديد المنتجات الفلاحية من ضمنها 30 بيت بلاستيكي ونحو 100 نخلة مثمرة .
كما تم عرض الأهداف المسطرة للولاية في ذات القطاع والذي يهدف إلى بلوغ 150.000 هكتار في آفاق 2019 ، وحول اليد العاملة التي يصل تعدادها إلى 128.000 منصب منها 79.000 منصب دائم.
هذا ويبقى انشغال الفلاحين في الوطن كله حول ما هو نصيب باقي الولايات الجنوبية الجزائرية من هذه الامتيازات والتحفيزات في ظل الالتفاتة الكبيرة التي توليها الدولة لهذا القطاع، خاصة وأن الولايات الجنوبية تعتبر الفلاحة – قبل انخفاض أسعار النفط – المصدر الأول للدخل الفردي كما بإمكانه الإسهام في ازدهار الاقتصاد الوطني وبكل الضمانات. وكما يقول الفلاح عمي أحمد : "نتوسم خيرا في خطة الدولة الجزائرية لإنجاح هذا المشروع الضخم ونعدُ الوزير الأول ووزير الفلاحة أننا سنكون خير مثال للفلاح الجاد الذي يسهم في ازدهار وطنه من خلال عمله".
محسن غطاس