الجملة في النظام اللغوي عند العرب
د. عبد المجيد عيساني
جامعة قاصدي مرباح ورقلة
اهتم الباحثون منذ القدم حتى عصرنا الحاضر على اختلاف منازعهم ومناهجهم بدراسة الجملة، ولم تكن هي نقطة البدء في الدراسات اللغوية القديمة، إذ أنهم لم يحددوا الصور الشكلية للجملة العربية تحديدا دقيقا حيث تكون دراستهم بعد ذلك تحليلا نحويا لها، غير أنه من الواجب على الدارس للجملة العربية، أن يعتمد على ما قدمه القدماء من دراسات لغوية والتي يعتبر سيبويه رائدا لها رائدا لها، فما مفهوم الجملة عنده؟
والجملة لغة كما ورد في الصحاح للجوهري(ت393هـ) قوله:"الجملة واحدة الجمل وأجمل الحساب رده إلى الجملة"[1]. وفي لسان العرب لابن منظور (ت711هـ) :"والجملة واحدة الجمل، والجملة جماعة الشيء وأجمل الشيء جمعه عن تفرقه، أجمل الحساب كذلك، والجملة جماعة كل شيء بكامله من الحساب وغيره"[2]. وفي المختار الصحاح للرازي (ت760هـ):"والجملة واحدة الجمل، وأجمل الحساب رده إلى الجملة"[3].
وجاء معناها في القاموس المحيط للفيروز أبادي (ت817هـ):"والشيء جمعه عن تفرقه والحساب رده إلى الجملة"[4]. وفي تاج العروس للزبيدي (ت1205هـ):"الجملة بالضم جماعة الشيء، وكأنها اشتقت من جماعة الحبل لأن قوة كبيرة جمعت فأجمعت جملة، وقال: قال الراغب"واعتبر معنى الكثرة فقيل لكل جماعة غير منفصلة جملة، قلت: "ومنه أخذ اللغويون الجملة لمركب أسندت إحداهما للأخرى"[5]. وقد ورد لفظ الجملة في القرآن الكريم في قوله تعالى:« وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة» الفرقان، الآية:32، للدلالة على الجمع.
ومعنى الجملة لغة في كل ما ورد لا يخرج عن كونها تدل على جمع الأشياء عن تفرقها وأنها جماعة كل شيء.
ومفهوم الجملة اصطلاحا نستقيه مما استشهد سيبويه (ت10هـ) في كتابه بجمل نحوية تامة في مواطن عدة مراعيا فيها المعنى ومعبرا عنها بلفظ الكلام، دون استخدام مصطلح الجملة فسيبويه لم يتحدث عن الجملة بمعناها الاصطلاحي وإنما تحدث عنها بمدلولها من خلال الإشارة إلى عناصر الجملة كالمسند والمسند إليه، ويفهم منه أن الجملة ما تكونت من المسند والمسند إليه كالمبتدأ والخبر أو الفعل وفاعله، ولم يستخدم سيبويه مصطلح الجملة وإنما استعمل مصطلح الكلام و أراد به الجملة[6]. وذلك حين تحدث عن الجمل التامة فيقولهذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب،ومستقيم قبيح،وما هو محال كذب......)[7]. ومثله الفراء(ت207هـ) فقد أطلق مصطلح الكلام وأراد به الجملة فيقولوقد وقع الفعل في أول الكلام على اسمه)، وهو يتحدث عن الجملة [8].
ويعد المبرد (ت285هـ) هو أول من استعمل مصطلح "الجملة" من الرعيل الأول وذلك حين تعرض للحديث عن الفاعل إذ يقولهذا باب الفاعل وهو الرفع وذلك في قولك: قام عبد الله وجلس زيد، وإنما كان الفاعل رفعا لأنه هو والفعل جملة يستحسن عليهما السكوت وتجب بها الفائدة للمخاطب فالفاعل والفعل منزلة الإبتداء والخبر إذ قلت: قام زيد، فهو بمنزلة قولك القائم زيد)[9].
ويعرف ابن جني (ت392هـ) الجملة أو الكلام بقوله: (أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه، مفيد لمعناه وهو الذي يسميه النحويون الجمل، نحو: "زيد أخوك" و"قام محمد" فكل لفظ استقل بنفسه وجنيت منه ثمرة معناها فهو الكلام)[10].
ولم يفرق الزمخشري بين مصطلحي الجملة والكلام وجعلهما شيئا واحدا إذ يقولوالكلام هو مركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، وذلك لا يتأتى إلا في اسمين كقولك:"زيد أخوك" و"بشر صاحبك" أو في فعل واسم نحو قولك:"ضرب زيد" و"انطلق بكر"، وتسمى جملة)
أما ابن هشام فحاول أن يفرق بين مصطلح الكلام والجملة من حيث أن الكلام يمكن السكوت عليه، أما الجملة فيعني بها عناصر الإسناد كالفعل مع فاعله، والمبتدأ وخبره فيقولوالجملة عبارة عن الفعل وفاعله كـ "قام زيد" والمبتدأ وخبره كـ"زيد قائم" وما كان بمنزلة أحدهما نحو "ضرب النص")[11].
ويرى الجرجاني (أن الجملة عبارة عن مركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى سواء أفاد كقولك: "زيد قائم"، أو لم يفدك قولك:"إن يكرمني"، فإنه جملة لا تفيد إلا بعد مجيء جوابه فتكون الجملة أعم من الكلام مطلقا)[12]
ويختلف مفهوم الجملة عند علماء اللغة العربية المحدثين بسبب انتمائهم إلى المدارس والمذاهب اللغوية عن طريق الأخذ من القدماء العرب أو التأثر بالنظريات اللغوية الغربية وتبعا لذلك فالقواعد والأحكام اللغوية القديمة لم تبق على حالها، بل تغيرت مع تطور الدراسات اللغوية الحديثة، فتعددت بذلك مفاهيم الجملة باختلاف وجهات النظر، فهناك من اللغويين العرب من يرى أن الجملة قول مركب مفيد دال على معنى دال يحسن السكوت عليه.
يرى الحمزاوي أن الجملة (الكلام المركب المفيد الذي يتم به المعنى)[13].
وعند محمد خان هي: (تركيب إسنادي يفيد فائدة يحسن السكوت عليها والغاية منها الاتصال والتفاهم بين أعضاء الجماعة اللغوية، أي شرطها التأليف الذي يحمل دلالتة للملتقي ولذلك فهي مجموعة ذات عناصر لغوية إسنادية، وقد أنشئت قصد التفاهم في بيئة لغوية)[14].
أما تمام حسان فيرى أن الجملة هي: (المجموعة الكلامية) وبذلك فهو يرى أن الكلام عبارة عن مجموعة من الجمل لذلك فهو أعم منها.
ويضيف بقوله: (أما الذي يتكون من عملية الإسناد فيسمى الجملة وهي ذات علاقات إسنادية مثل علاقة المبتدأ بالخبر، والفعل بفاعله والفعل ونائب فاعله والوصف والمعتمد بفاعله ونائب فاعله)[15]. ويعرفها عبد السلام المسدي بقوله: (فالجملة المستقلة هي أكبر وحدة نحوية في الكلام وتتميز بشيئين أولهما أن أجزاؤهما تترابط عضويا وثانيها أنها لا تندرج في بناء نحوي أوسع منها)[16].
وذهب الدكتور إبراهيم أنيس في تعريفة للجملة بقوله: (إن الجملة في أقصر صورها هي أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقل بنفسه، سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر)[17]. وهذا التعريف يجيز أن تتركب الجملة من كلمة واحدة، أي أن فكرة الإسناد ليست لازمة لتشكيل جملة صحيحة.
أما ميشال زكريا فقد عرف الجملة بقوله: (وحدة كلامية مستقلة يمكن لحظها عبر السكوت الذي يحددها)[18].
وذكر محمد حماسة عبد اللطيف قول براجستر في جعل الإسناد شرطا لازما أساسيا في الجملة فإذا خلا أي تركيب من الإسناد فهو ليس بجملة،وإن أدى إلى معنى يحسن السكوت عليه. وقد انبنى رفضه في أن يكون الإسناد مقوما أساسيا في الجملة ونلمس ذلك ممن خلال المفهوم الذي حدده لها بقوله: (كل كلام تم به معنى يحسن السكوت عليه، هو جملة وإن كان من كلمة واحدة)[19].
وعند محمد إبراهيم عبادة: (ليست الجملة مجرد سلسلة من طبقات تراكمية ولا من متتابعات من المفردات أو الهيئات التركيبية دون علائق ترابطية ترى في عناصرها بل لها علاقة الإسناد وعلاقة التقييد وعلاقة الإيضاح)[20].
أما عباس حسن يقول: (الكلام أو الجملة هو ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل، فلا بد في الكلام من أمرين معا هما،"التركيب"و"الإفادة المستقلة")[21][center]