بعد حصوله على درجة البكالويوس في الفيزياء من «جامعة هواري بومدين» في الجزائر، تلقى حبة بلقاسم (مولود عام 1957) منحة حكومية لاستكمال علومه العالية في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. وهناك، تابع دراسات متخصّصة في الفيزياء التطبيقية وهندسة المواد الصلبة، توجها بأطروحة دكتوراه في طاقة الشمس
بعد ذلك، ترك عالم الأكاديميا الصرفة، ليعمل في صفوف شركات التكنولوجيا الرقمية، تحديداً شركة «آي بي أم» التي وظّفته في مركز بحوثها. والمعلوم أن «آي بي أم» صنعت كومبيوتر المكتب الأول، إضافة الى تسجيلها السبق في صنع الكومبيوتر المحمول «لاب توب»، وأنواع من الأقراص المرنة والأسطوانات الرقمية وأقراص التخزين الصلبة وغيرها. وفي مقابلة مع «الحياة»، أوضح بلقاسم، الذي بات مواطناً أميركياً أيضاً، أن اهتماماته تتمحور على أشعة الليزر واستخداماتها وتطبيقاتها في الإلكترونيات الدقيقة، أي في صناعة تشمل الحاسوب ورقاقاته وأقراصه ومكوّناته، إضافة الى الأدوات الرقمية الذكية، وأجهزة الاتصالات المتطوّرة، والإنترنت وأليافها الضوئية وغيرها.
خيبة العودة الى الوطن
بعد فترة، عاد بلقاسم الى الجزائر على أمل البقاء فيها والمساهمة في نهوضها علمياً وتكنولوجياً. وأعفي من الخدمة العسكرية. وعُيّن أستاذاً في جامعة «بيسكره» لفترة لم تتعد ثلاثة شهور! ثم اضطر لمغادرة وطنه نظراً الى تدهور الأحوال فيها حينذاك، إضافة الى ندرة مراكز البحوث وضيق آفاق التقدم علمياً، وانسداد آفاق المستقبل، على حد تعبيره.
تواصل بلقاسم مع أحد مراكز البحوث في طوكيو، يتبع شركة «أن إي سي» NEC اليابانية المعروفة، والمتخصّصة في الإلكترونيات الدقيقة ومنتجاتها. وشكّل عمله السابق في «آي بي أم» ورقة العبور الى هذا العمل الذي استمر فيه ست سنوات. وأوضح أن وثائق هذه الشركة اليابانية تشير إلى أن العقد المبرم معه، نصّ على ضرورة أن ينتج 6 براءات اختراع سنوياً. وبيّن بلقاسم أنه انجز فعلياً ما يفوق هذا العدد. وكافأت الشركة تفوقه ومهارته، بمنحه أعلى جائزة لديها (1992).
وعاد مجدداً الى أميركا. وانضم الى شركة «رامبوس» Rambus المتخصّصة في الإلكترونيات الدقيقة أيضاً. وعلى مدار ثلاث سنوات، تولى مسؤولية التقنيات المتخصّصة بتطوير المُكوّنات الصلبة في الكومبيوتر والألعاب الإلكترونية، خصوصاً تلك المستعملة في جهاز «بلاي ستايشن» Play Station في جيليه الثاني والثالث. وانتقل الى شركة «تسِرّرا» Tessera الأميركية في عام 2000. والمعروف أن رأسمال هذه الشركة يصل إلى بليون دولار، وتعمل في الإلكترونيات الدقيقة أيضاً، خصوصاً ما يتصل بتقنيات الخليوي وشبكاته. وفي «تسِرّرا»، تسلّم بلقاسم مناصب مهمة، منها رئاسة المختبر المتخصّص بتصغير أدوات الذاكرة الإلكترونية في الخليوي والكاميرات الرقمية، كي تستوعب كميات أضخم من المعلومات في مساحة أصغر فأصغر. وتحمّل مسؤولية صوغ الاستراتيجيات المتوسطة المدى التي تتبعها «تسِرّرا» في تطوير منظومة الإلكترونيات الدقيقة وأجهزتها كافة. وخلال عمله في «تسِرّرا»، أسّس بلقاسم شركة خاصة سمّاها «سيليكون بايب» Silicon pipe. وحرص على أن تكون متخصّصة في الإلكترونيات الدقيقة، خصوصاً ما يستخدم منها في الاتصالات السريعة في الشبكات الرقمية، وتقديم حلول لما يشوبها من مشاكل تقنية معقّدة.
خلال مساره المهني، مُنِح بلقاسم عدداً كبيراً من براءات الاختراع في الإلكترونيات الدقيقة والاتصالات الرقمية، منها 115 في الولايات المتحدة الأميركية لدى الشركات الثلاثة المذكورة آنفاً، و190 براءة خارجها. ونال أيضاً جوائز ومكافآت تقديرية من مؤسسات أميركية وأوروبية ويابانية وجزائرية. وتشمل قائمتها «جائزة الرابطة الأميركية» (نورث كارولينا- 2005)، و «جائزة البحث والتطوير في التكنولوجيا الأميركية» (2003)، وجائزة الحكومة الجزائرية في التكنولوجيا المتقدمة (2008)، و «جائزة الإنجاز الفني الأميركية – الجزائرية» من مؤسسة «تيك وادي»Thecwadi (2007). وحاز بلقاسم عضوية في لجان أميركية 021114ويابانية متخصّصة في الإلكترونيات الدقيقة. ونشر أيضاً ما يزيد على مئة ورقة علمية. وشارك في مؤتمرات مُكرّسة بمستقبل الإلكترونيات الدقيقة والاتصالات.i
أطلق بلقاسم مبادرة جريئة ترمي الى تجميع العقول الجزائرية المهاجرة، وتأطيرها في جمعية منظمة على شكل «لوبي علمي» يضم قرابة 420 عالماً، يملكون أكثر من 2000 براءة اختراع في الإلكترونيات الدقيقة والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيا الحيوية وغيرها. وتمكن بواسطة الانترنت من جمع أسمائهم وعناوينهم وأماكن إقامتهم وتخصّصاتهم. وفي 2007، أنشأ موقعاً إلكترونياً (هو «ألجيريان إنفنتورز. أورغ» algerianinventors.org، باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. وأوضح بلقاسم، أن الهدف من هذه الخطوة يتمثّل في تسهيل تبادل المعلومات والخبرات وإنشاء المؤسسات، ومحاولة الوصول إلى تمويل من جهات متنوّعة، والاتصال بالجامعات ومراكز البحوث المغاربية والعربية، بهدف دعمها بالتكنولوجيات الغربية المتطوّرة.
منقول